قراءة تمحيصية لبعض فصول مشروع المدونة الرقمية


نعم لقد تم سحب المدونة الرقمية مُؤقتا لإدخال بعض التغييرات على مستوى تحرير بعض فصولها المثيرة للجدل .. للتذكير فقط فإن المدونة الرقمية سُحبت من مُسودة مشاريع القوانين أي أنها لم تكن ، حسب القانون الجاري به العمل، سوى في مرحلة تلقي التعليقات حول مقتضياتها من العموم، بعد ذلك سيتم عرض نص مُقتضياتها على مجلس الحكومة ثم مجلس الوزراء والبرلمان بغُرفتيه قبل نشرها بالجريدة الرسمية لتصبح   قانونا يلزم الجميع

اليوم وبعد سحب المدونة يمكن القول أن الأجل الممنوح لتقي تعليقات وإنتقادات العموم سيتجدد عندما سينشر مشروع قانون المدونة من جديد ضمن مسودة مشاريع القوانين مما يعني عمليا أننا نملك الٱن من الزمن الوقت الكافي لنقتل مشروع المدونة الرقمية تمحيصا وتحليلا من أجل مدونة رقمية تكون الغاية منها فعلا إرساخ مناخ الثقة الرقمية وتطوير الإدارة الإلكترونية والإقتصاد الرقمي وحماية القاصرين

 : تأمين حق الولوج إلى الإنترنت حسب الفصل 42 من المدونة
يقصد الفصل 42 بتأمين حق الولوج إلى الإنترنت حماية توصيل (الويفي) وهو بذلك يفرض على الأشخاص الذاتين، أو لنقل اصحاب المنازل استخدام إجراأت التأمين الضرورية لحماية (الويفي) المنزلي من ولوج  قد يُستعمل لغايات غير مشروعة ، فعلا فالفصل المذكور يعفي صاحب الويفي من المسؤولية إذا أثبت أنه وضع وسيلة ملائمة لتأمين ولوجه أوأنه أثبت أنه كان ضحية ولوج إحتيالي أو كان في حالة إضطرار أو إستحالة مادية وفق شروط القانون الجنائي إلا أن المشرع بفرضه هذا الإلتزام على أشخاص لا يُفترض فيهم معرفة هذه الأمور التقنية فهو بذلك يريد أن يجعل من المتصلين بالإنترنت حرّاسا لمكافحة الجريمة وهو بإعتقادنا إلتزام فوق طاقة المواطنين لذلك نتمنى أن يتم إعادة صياغة الفصل 42 بشكل يستثني على الأقل الأشخاص الذاتيين

المنع الكلي أو الجزئي من إستعمال الإنترنت حسب الفصل110
 بالنظر إلى المقتضيات الزجرية السالبة للحرية المضمنة بالمدونة الرقمية يبدو لنا كما لو كان الأمر يتعلق بمقتضيات جديدة بالقانون الجنائي فالمشرع المغربي لا يزال يكفر بالعقوبات البديلة أي عقوبات غير سجنية لاتخرج عن هدف العقوبة وهي الردع العام والخاص .. فالفصل 110 من المدونة مثلا يُعطي الإنطباع بتبني فكرة  العقوبات البديلة إلا أن المشرع المغربي يأبى إلا أن يجعل منها عقوبات تكميلية تضاف بعد الإدانة بإرتكاب جريمة على خدمات الإتصالات الرقمية عبر الخط وعليه سيكون بإمكان القاضي الجنائي إتخاذ قراره بالمنع الكلي أو الجزئي من إستعمال الإنترنت

المقتضيات الفضفاضة المضمنة بالمدونة
يمكن الجزم أن أخطر ما ضُمّن بالمدونة الرقمية من مُقتضيات ليتعلق باللُّبــس الذي يشوب العديد من فُصولها، فعلى الرغم من أن المدونة قد قدمت تعريفات لبعض المصطلحات بالمادة 1 في إطار القسم الأول المتعلق بالإدارة الإلكترونية وبالمادة 23 في إطار القسم الثاني المتعلق بالإتصالات الرقمية وبالمادة 74 في إطار القسم السادس المتعلق بأمن المعلومات والثقة الرقمية، فإنه مع ذلك أغفل عن قصد أو عن غير قصد أن يفعل الشيئ نفسه بالنسبة لباقي الأقسام . الفصل 73 على سبيل المثال لا الحصر تضمن عبارات فضفاضة تتسع لتشمل كل المحتويات التي يمكن أن تُؤوّل وفق وقائع قــد لا تتلاءم والحقيقة. وهذا نصه كما ورد بالمدونة



إلزام مسؤولي ومدراء ومالكي المواقع الإلكترونية ووسائل الاتصال الرقمية بإعلان هوياتهم
نقرأ بالفصل 25 أنه لا يمكن لأي أحد أن يمارس نشاط مقدم خدمات؛ سواء بالمجان أو بمقابل؛ بصفة أساسية أو عرضية؛ تحت هوية غير معلنة

وأنه على مقدمي الخدمات أن يضعوا رهن إشارة العموم  أسماءهم العائلية والشخصية ومواطنهم وأرقام هواتفهمم؛ وإذا كانوا خاضعين لشكليات القيد بالسجل التجاري رقم ومكان تقييدهم  بهذا الأخير. نفس الأمر يخضع له الأشخاص المعنوية بما يتلاءم وطبيعتها.
مُلاحظتنا بخصوص هذه المقتضيات تُحيل على القانون رقم 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. بإعتقادنا فإن وضع معلومات شخصية رهن إشارة العموم كالإسم العائلي والشخصي ومواطن ورقم الهاتف يُمكن أن يضر بالأشخاص الذاتيين فالمادة الأولى من القانون المذكور: || تنص أن المعلوميات في خدمة المواطن وتتطور في إطار التعاون الدولي. ويجب الا تمس بالهوية  والحقوق والحريات الجماعية أو الفردية
للإنسان. وينبغي ألا تكون أداة لإفشاء أسرار الحياة الخاصة للمواطنين

القانون الواجب التطبيق في إطار العقود المبرمة عن بعد
وفق مدلول المادة 45 الذي يندرج في إطار العقود المبرمة عن بعد ، يُطبق القانون المغربي على الخدمات التي يمكن الولوج إليها عن طريق شبكة إتصالات رقمية عبر الخط إنطلاقا من إسم مجال (دومين) يحمل تمديد أسماء النطاقات الوطنية أما بالنسبة للتمديدات الأخرى فيكون القانون الواجب التطبيق كالتالي
القانون المغربي بالنسبة للأشخاص المقيمين على التراب الوطني أو قانون دولة إقامة الشخص حيث يمارس نشاطه إلا إذا تم إتفاق الأطراف على خلاف ذلك
يبدو أن محرري هذا الفصل كما لو أنهم لايدركون تعقيدات الفضاء السيبيري ( ) نعم نُـقـرّ أن تنازع القوانين ومسألة الإختصاص تخضع للقواعد القانونية التقليدية أي قواعد الإسناد المضمنة بالقانون الدولي الخاص. لكن كان الأجدى مُلائمة هذه القواعد والمُعطى الإفتراضي الذي يفرضه واقع المعاملات الإلكترونية فعلى سبيل المثال يمكننا أن نفترض جدلا عقدا أُبرم عن بعد بين مغربي بفرنسا من أجل  صناعة منتوج بالصين يُستلم بإسبانيا من طرف شركة نقل سويسرية لفائدة زبون أمريكي كل ذلك بمواد صناعية تايوانية وتكنولوجية ألمانية. ففي مثالنا المبالغ فيه يصبح جواب المدونة الرقمية ضروريا، أي المحاكم تكون صاحبة الإختصاص إذا لم يتوصل الزبون الأمريكي ببضاعته؟ كيفما يكون الجواب فماهو عندئد القانون الواجب التطبيق ؟بل لنفترض أن الشركة الصينية حصلت على حكم لفائدتها ضد الزبون المغربي فكيف يمكن تطبيق الحكم الصادر و الحالة هذه ؟ ألاتفرض هذه الأسئلة الملحة ضرورة ملائمة القواعد القانونية التقليدية مع تحديات الإقتصاد الرقمي؟الجواب أن المدونة الرقمية في ٱخر صيغتها لا تسدّ هذه الثغرات القانونية

يتبــــــــــع
مدونة القانون المغربي
مجد رشيد
دجنبر2013

Aucun commentaire: